تعريف
بالجزء العاشر من كتاب "وسم على أديم الزمن"
بقلم
المؤلف : معالي الدكتور
عبد
العزيز عبد اللّه الخويطر / الرياض
هذا
هو الجزء العاشر من كتابي "وسم
على أديم الزمن"،
وفيه ذكرياتي عن سنتين قضيتُهما في إنجلترا، وبالتحديد في لندن، حيث كنت أُعِدُّ
للدرجة الدكتوراه في التاريخ "بكلّية
الدراسات الشرقية والأفريقية"
بجامعة لندن .
في
هذا الجزء أحاديث مختصرة عن مجتمعنا الأخويّ نحن الطلاّب الذين نحضر لدرجاتٍ عليا،
تجمعنا ردهات هذه الكليّة، وبالذات الصالة العامة، وفيها جلوسنا وطعامنا، وميادين
نقاشنا لأمورنا الثقافية والسياسية، وما يجد من أحداث في العالم هي الشغل الشاغل
للأذهان في بعض الأيام . وفيها عن اجتماعاتنا في بيوتنا في سَمَرٍ بَريء، فيه من
النقاش ما لا يحدّه حد، توحيه روح الوقت والساعة، ويتشعّب حسب أحاديث المجالس،
وبيننا من يُعدّ الطعام، أو يُعدّ السُّفرة، ويُسجّل بعض هذا بالصور الفوتوغرافية
وبعضه في مذكّرات أحدنا.
ومن
بين من نجتمع بهم من سائر الأقطار العربية والإسلامية وغيرهما من أمريكا وأوروبا
واستراليا وكينيا وغيرها من أفريقيا. فهذا الدكتور الصديق سلطان زمزمي – رحمه الله
–، يأتي لزيارة خاطفة نأنس به، ونُزجي وقتًا مُمتعًا معه، وهذا "سهيل
خيري" كذلك من المملكة العربية يمرّ بنا
بإنجلترا مرًّا سريعًا، وهذا أحمد بالخوجة من تونس، وهذا حسين البحارنة من
البحرين، وهذا الشيخ محمد المبارك الخليفة، مثله من البحرين، وهذا محمود شاكر من
العراق، ومُواطنه داود السلوم، وهذا عبد الخالق قاضي من أصل باكستاني يحمل الجنسية
الأسترالية، وهذا الحبيب عبدالعزيز القريشي في طريقه إلى أمريكا ذاهبًا أو عائدًا
منها، ومثله حسن المشاري، وصالح بابصيل، وهذا الدكتور هاشم الدباغ، جاء مصاحبًا
لعمّه السيّد الجليل محمد طاهر الدباغ، الذي جاء في زيارة مكرّرة إلى لندن لعلاج
إحدى عينيه – رحمه الله – ومن السعوديين كذلك محجوب حسنين .
ومن
إخواننا الأحبّة من السودانيين: الطيب صالح المفكّر الأديب، ومحمد إبراهيم الشوش
الضاحك الباسم السارح المطنِّن، وهناك صالح نور وأسرته، وهو من الإخوة السودانيين
البارزين في دراستهم، الجادّين في بحوثهم، المستقيمين في سِيَرهم، المتَّخذين من
الآخرين قدوة، يكافح للدّراسة، ويصارع المرض، ولم تلن له قناة حتى نال ما جاء من
أجله باقتدار وفخر، وهناك من السودانيين كذلك سيد عثمان أحمد كان من خيرة الطلاب،
وممن أكمل دراسته في وقتها المحدَّد، واجتماعنا بهؤلاء الإخوة الكرام في الكلية أو
في مكتبتها العامرة بالكتب، والملأى بالباحثين سواء فيها، أو في المتحف البريطاني،
واجتماعاتنا المتكرّرة في النادي السوداني، وفي بيوتنا مرّات متعدّدة. حيّا الله
الجميع، فمجالسهم مُشرقة، واجتماعاتنا بهم مُبهِجة.
وفي
هذا الجزء إشارةٌ إلى ما شهدتْه اجتماعاتنا في عام 1956م من نقاش حادّ، وجدل
مستمرّ وحماس متناه، وجفوة وصفاء، وابتعاد واقتراب بسبب القوميّة، وما رُفع لها من
أعلام، وما عضدت به، وما هو جمت به، ومن أَمَلٍ فيها أو خيبة أمل، يعلو الصوت حتى
يبلغ عنانَ السماء، وينخفض حتى يغلب الهمس، فالحكم العسكري على المِحَكّ، وهناك
ذبح الديمرقراطية أو تبجيلها، والإيمان بوجودها في هذا الحكم أو عدمها، ووعودها
وما تعطيه من تأكيدات، ومدى الثقة فيها. وأفكار تتصارع، وآراء تدوّس، وأخذ وَرَد،
ولا أحد يتعب، ولا أحد يملّ، كلما أُوقِد للجدل نارُ قولٍ حاول آخرون إطفاءها،
فالإيقاد قائم، والإطفاء على قدم وساق.
وكان كلّ هذا يأخذ وقتًا، ويُبْذَلُ فيه جهدٌ، على
حساب راحة الأذهان والأجسام، ولا تقف حدّة هذا الأوار إلاّ عندما يحين وقتُ محاضرة
أحد أعْمِدَة الجدل، أو يحلّ موعد مقابلة أستاذ مشرف، وفي وقت ترى صالة الاجتماعات
الـ (Common
Room)
وهي ميدان معترك، ثم تراها بعد قليل كأنها مدينة قوم عاد.
وإذ
كانت القومية وبروزها في ميدان الجدل، وأخذها وقت الطلاب، وإنهاك جهدهم، فقد بلغ
الحماسُ القمّةَ بينهم عندما حدث الاعتداء الثلاثي، فَرَمـٰـى بحطب جزل على
النار المُتَّقِدَة في صدروهم، وبلغ بهم الأمر أن خرج بعضهم في مظاهرة، ليلفتوا
الأنظار، ولينفثوا عمّا في صدورهم .
حاولتُ
في هذا الجزء أن أدوّن بعضَ الحقائق التي قد تبدو لقارئ غير مهمّة، ولكنّها لباحث
آخر مفيدة، وقد لا يُستغنى عنها في مجالها، وهناك أمور تجاهلتُها، ولم آت بشيء
منها إلا ما هو نموذج لها، مثل زياراتي المتكرّرة لأستاذي المشرّف على رسالتي
السيد "بُون"
في الكلية في مكتبه المتواضع، أو في بيته في "يورك
تِرَس" على فنجان شاي بعد العصر، وهو موعده
المعروف عند الإنجليز.
وختمتُ
الكتاب بخطابات منّي لأهلي وآخرين، أو منهم إليّ، وهي وثائق تحمل حقائقَ مؤكّدة،
تضيف إلى بعض ما سجّلتُه من المفكرة أو الذاكرة.
هذا
والله المستعان ...
مجلة الداعي
الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادى الثانية 1429هـ =
يونيو 2008م ، العـدد : 6 ، السنـة : 32.